Erbil, Kurdistan
0751 175 8937

العقل ما بين القيد والابتكار

Nureddin Ziyad Dalawi

العقل ما بين القيد والابتكار


العقل ما بين القيد والابتكار

القياس بكل أشكاله علمٌ شريف ، أمَّا القياس في المسائل الشرعية التي لا نستطيع فيها الاستنباط من القرآن والسنة المطهرة الكاملة المعتمدة، وهو القياس الذي يعتمد على كلام فقيه من الفقهاء دون سند شرعي، فهذا جمود فكري، فهل يجوز أن نقيس على أناس عظماء قد ابتكروا، وفي بطن هذا السؤال سؤال وهو : لماذا لا نبتكر؟ هل النقص في العقل الناطق أو القصور في أن هذا العقل قد تغير تغيرًا في الاتجاه الحيواني، وترك الجانب الروحاني الملائكي للرقي، وإذا قلنا وأيدنا بعدم رقي العقل فإننا نشكك بعدم قدرة الخالق تبارك وتعالى القائل: (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)) .

إذن: الإنسان في أحسن تقويم بكامل العقلية الناطقة؛ لأن الممكن في الموضوع عَرَضٌ، وإن لم يكن فالجوهر، وإن كان مفارقًا في ذاته وفعله وهو العقل فلا يحتاج إلى المادة، ولا العقل من المادة، فالقياس مسألة مادية ليس لها علاقة بالعقل، فالمفارق للذات وقد احتاج إلى المادة في فعله وهي النفس، وهنا الجمود، فنقول: أطلق العقل دون شرك.

ولهذا يجب علينا أن نحترم العقل والابتكار، ويجب الإبداع؛ لأن الأصل في المسائل تطبيق العدالة المأخوذة من السموق، وهو المأخوذ من العدل المطلق.

لماذا نقيس؟؟ والعدل مشكاة، ومشكاة العدل موجودة في القرآن العظيم وفي السنة النبوية المتواترة الصحيحة، فمن آمن وتطهر وذهب سيرًا بالسلوك نال من العدل والعدالة لنفسه أولًا، كي يرى وينظر ويتفكر بالنظر الثاقب بأن ننشد القواعد الحقيقية من الأساس القرآني والأثر النبوي، لبناء مجتمع مؤسس على العدل والعدالة ، ولا نأخذ مسألة على مسألة أخرى قياسا جليًّا أو خفيًّا، كي نقيد العقل في هذا الإنسان الكامل بالفطرة، فيتغير بتغير الأخلاقيات.

بارك الله في علمائنا .. وضعوا القياس لزمانهم، وكان لحل المشاكل، وليس لزماننا.

عمر الكون 12 مليار سنة، وعمر الأرض 4 مليار و600 ألف سنة، والإنسان على هذه البسيطة منذ أكثر من 200 مليون سنة، فهل من المعقول أن نقيد هذا العمق التاريخي بالقياس؟! فأطلق العقل دون شرك، واجعل أساسك نور الله (( الله نور السموات والأرض)).

قال تعالى: (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم))، فالقرآن لا يُفهم إلا من خلال فهم لغة قريش، وقراءة المعلقات ، ومعرفة لغة البدو، لكي نتمكن من فك الشفرة القرآنية، فمعنى لـ (يُبيِّن): للتوضيح وإزالة الغموض وفك الشفرة القرآنية، ولا تنفك الشفرة القرآنية إلا بما ذكرنا. ولذلك كان العلماء يأتون بالشواهد الشعرية من كلام العرب.

والعقل هو الهندسة في داخل الإنسان، والبناء هو هندسة العقل في داخل جسم الإنسان، والقياس والعقل والبناء تتشابك فتختلط فتكون الهندسة العقلية، قال الله تبارك وتعالى: (( يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)) يعني من فعل الأمر، والله تعالى ليس كمثله شيء سبحانه، ولم يقل من أمر الله، وهنا التمييز في هذا المصطلح، فالأمر يأتي عندما تكون المسألة خارجة عن الخبر، فلا النافية تسمى بهذا الاسم لأنها تأتي بخبر تقول لا رجل في البيت مثلًا، ولا الناهية في ضمنها أمر مثل: (لا تأكل)، فالأمر يأتي لمسألة عظيمة معقدة متشابكة، وهذا التشابك هو الهندسة العقلية.

نحن آخر الكائنات في عالم الممكن ، فآخر التطورات في الممكن هو الإنسان، فلا يجوز تقليل شأن الإنسان، ويجب على الأمة أن تنهض بالتطور الفكري ضمن القرآن، والأثر النبوي الصحيح، فالصحة هي الدرجة الملاصقة للمتواتر.

حتى علم الحديث والرجال يجب أن يتغير ، والآن يجب أن نلتجئ إلى الشفرة، والنغمة، والنمط، والحبكة، واللغة.

والذي يميز شعر الشعراء، فمن باب أولى أن يميز حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن باقي الأحاديث، ونكهة الحديث النبوي هي نكهة قرآنية.

وأقول: إن هذه الأمة ستبقى هكذا تحت المطرقة أمة عبارة عن سندان ، والمطرقة بيد الأقوياء ، وكل من هب ودب يطرق على السندان ، وسيأتي يوم ويغوص هذا السندان في الأرض، فنهوض الأمة في التطور الفكري ضمن القرآن والأثر النبوي.

ونحن نتكلم عن الإنسان الكامل صاحب الابتكار والتطور، هل من المعقول: من عهد القدماء أهل القياس والابتكار لم يأتِ في هذه الأمة إنسان كامل يجدد هذه العلوم، والفرق بيننا وبينهم 1200 سنة، هل انتهى نور الله في الصدور، لماذا هذا التشاؤم، أكانوا هم كُمَّلًا ومن بعدهم انتهى الطريق والسلوك، هذا ليس بالمنطق ولا بالقياس الذي تعتمدونه، والعقل يرفضُ كليًّا هذا الأمر.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار

كتبه فضيلة السيد الشيخ محمد تحسين الحُسيني النقشبندي القادري (قدس الله سره)

_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_