الخوف وبناء المجتمع
الخَوفُ وبِنَاء المُجتمع
مَرَضُ الخَوف .. الفِطْرَة المُكْتسبَة .. نعم .. إنَّ هَذَا المَرضَ يتدخَّلُ في رَسْمِ حَيَاة المُصَاب ، إنَّها خَطيرة وَكَبيرَة أي : ( الفِطْرَة المُكتسبة ) من جَيلٍ إلى جيلٍ كالرَّضاعِ والتَّلقين والجُمُود ، فتؤثر عَلَى الفَرْد وعَلَى المُجتمع ؛ فهي تَبْدأُ بالفَرْد والأُسرة ، وَثم تَنْعكِسُ عَلَى المُجتمع ، فتنتقل إلى المَدَارِسِ وَالوَظائِفِ وإلى الأسَاتِذَة ، وَالمُدرَاءِ ، فَتنعكِس عَلَى التَّعليم وَالإنتاج مِنَ الفَرْدِ البَسيط إلى رَأسِ الهَرمِ مِنَ القَادة المَيْدانيين الذين يَقودونَ المُجتمع ..
وَالخَطيرُ في هذِهِ المَسألَة هُو أسَاس المُجتمع وَهُو المُعلِّمُ الذي يُربّي الأجيالَ ، وقد خرَّج الأطباءَ وَالمُهندسين وَالمُحامين وَالوزراء ؛ فإذا كان مُصَاباً بالخَوفِ وَالوَسْواس فسينتجُ عَنهُ السُّلوك الخَاطئ وَانحراف المَنْهَج القَويم المُستقيم المُترابط ، والخَوفُ يُتعِبُ ويَهدِم الفِكْرَ والتَّفكير وَالقَلبَ وَسائِرَ البَدَن ؛ لأنَّهُ يَرسُمُ يَومَهُ خَارجَ دَائرةَ الحَقيقة فيكون واعِزُهُ الخَيال القَاصِر المَريض ؛ فينبثق عنهُ تصرّفات مُتناقضة فيكون الشَّخص الوَاحد شَخْصين ، وَهُو الانفصِامُ المَخْفي …
وَلاَ تنكشِفُ شَخْصية المَريض ؛ لأنَّ صَاحِبَ هذه الحَالة يكون حَريصاً جداً في تصرفاتِهِ الظَّاهرة ، وَعَدَائياً في عَقْلهِ البَاطن ، ويحاول دائما أن يُنجِزَ أعمَالَهُ المُتعلقة مع الآخرين وهنا الطَّامة ..
والنتيجــــة : ظُهور شَخْصية الدكتاتور ، وفي نَفْس الشَّخص ( الجبان ) وهذا هو التَّناقض ، وأطلقنا عَلَى هذه المَسألة ( التناقض ) لأنَّها أمران مُختلفان لِنَفْسِ اللَّفظ أو نفس الشَّخص .
مثالُ اللَّفظي : الجلوسُ وَعَدم الجُلوس في نفس الوقت ، وهذا أمرٌ مستحيل أن تأتي بهما ..
كذلك الخوف ؛ فيُنتِجُ المُتناقضات في الشَّخصية المَريضَة ؛ فيَبْدَأُ الدَّمارُ يَسري في المجتمع ، وتبدأُ الحضارة بالتَّفكك ، وَعدم التَّطور ، ونبقى في المرتبة المُتدنية بالنسبة إلى الحضارات المتقدمة ، والتي بدأت تُنشئُ مُنشآت ومُختبرات عَلَى القمر والكواكب ، ونحن لحد الآن لم نستطع تأمين السَّكن للمواطن ، بل أدنى من ذلك ؛ فإن من أبسط الحقوق الحقوق الضرورية للمواطن مياه الشرب النقية ، والعلاج ونظافة المأكل والملبس ، ولانذكر الرفاهية لأنها الكلمة التي تُزعج أهلَ الحل وَالعَقْد ، ويَنتفِضُ منها الزُّهَّادُ الذين يُريدون للمجتمع أن يبقى في ظلمة الجَهْل كي يَبْقى يقول : نعم .. نعم ..نعم . ولا يعرف المُطالبة بالحقوق ، ولا يعرف أن يقول : لا .. لا .. لا . وألفُ لا للظُّلم والظالمين وأهل الجبروت والذين يُريدون لنا أن نبقى كما نحن نأكل ونشرب ونذهب إلى العمل ونعود ونتكاثر ونكبر ونموت ونحن لم نُحقق شيئاً غير الصُّراخ ، والقول دون الفعل ، وقد ضاعت الأجيالُ واضمحلت في بطن الجيل الذي يليه .
هكذا حتى مرت السنون والقرون ، ونحن كما نحن .. الطُّرقُ تُزخرفُها الأزبَال ، وَسَواد الأمّة لاَ يَعرف القراءةَ وَالكتابة ، والمنابرُ لا تُقدِّم شيئاً ..
أين أنتم يــا عُقلاء الأمة ؟؟ !!
كأننا أمة قد حَمَلَت الفِعْلَ عَلَى ظَهْرِ بَعير ، وَسَارَت بِهِ في الصَّحراء ؛ فتهنا وتَبعْثرنا فوَجدنا أنفسَنا ، وَلكننا لم نجد البَعيرَ وَلَاَ الفِعلَ وهلم جَراً في مِثْلِ هذهِ الأمثال والحوادث ..
نــــِداء : إلى العُقلاء / انهضوا بالحُروف والكلمات والعِلْم فهو أعظمُ الجهاد ، وابنوا لنا صروح العلم ، وبيوت النور ..
هيا : اعملوا .. ابحثوا عن الحقائق …
علِّموا النَّاسَ حُبَّ القِراءةَ والكِتَابة والعَمل بجدٍ وإخلاص ..
هيــا يـــا عُلماءَ البَلَد … طهّروا النُّفوسَ من الكذب ، والأنانية ، وعلِّمونا الحُب والإيثار والمُسامَحَة ، فليعلم الجميعُ إن المِلْحَ إذا فَسَد سيُفْسِدُ الخُبز ، ويالها من مَعيشة سيئة دونَ مَعَاش .
القلبُ يَعْتصِرُ فينتُجُ عَنهُ شَرَابُ الألم .. ويَنعكس عَلَى عَيْني فتكتب بدموعها : لا أستطيع أن أفعلَ شيئاً ؛ فأنا الغَريبُ وأنا بين أهلي لعلَّ أحدهم يقرأُ كلامي يوما فيذكُرُنا بـــخير …
السَّلامُ على الصَّالحين حول جبل المقطم على امتداد أذْرُعِه ..
◈◈◈◇◈◈◈
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار
كتبه فضيلة السيد الشيخ محمد تحسين الحُسيني النقشبندي القادري (قدس الله سره)
_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_
Views: 0