Erbil, Kurdistan
0751 175 8937

مسرحية رفض ونصب

Nureddin Ziyad Dalawi

مسرحية رفض ونصب


مَسْرَحِيةُ رَفْضٍ ونَصْب

(تَفْجِيرُ مَسْجِد)

مَنْ ينظُر بعين التأني والخيال المتفكر، وببُعْد الفيلسوف، وبأحكام الرياضي، وبتمكن أهل القُدرة والخلوة، سيكتشفُ أنَّ ما يحدثُ هو مسرحيةٌ كُتِبَت بأنامل أهل الشَّر والبُغْض والفُرْقة والعَدَاء، وبفِكْر ووسوسة الشَّيطان.

وللأسف، فقد كُنَّا أحسنَ الأُمم في أداء مَشَاهدِ هذه المسرحية الهزلية البغيضة، فتفرَّقنا، وغَيَّرنا الاسمَ العظيمَ الذي اختاره الله تعالى لنا: (المسلمين) (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ)(الحج:78).

فَمَحَوْنا هذا الاسمَ، وبَدَأنا نَتَنابزُ بالألقاب: هذا سُنّي، وذاك شيعيّ، وهذا نَاصِبيّ، والآخرُ رافضيّ، وحَدِّث ولا حَرَج!!

والكلُّ يُقاتِلُ من أجل أداء فُصُول هذه المسرحية العَبَثية على أحسن وجه.

والمثال الأخير كان في تفجير مسجدٍ للمسلمين في أفغانستان، والحجَّة: السُّنة والشيعة والاقتتال والحقد الطائفي، وقبلها وَقَعت مئاتُ التفجيرات الدَّامية في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وباكستان، وغيرها.

ومن الغريب العجيب المعجون بحبَّات زهرة الخشخاش: أنَّنا تفرَّقنا ونحن أمَّة واحدة، والأغربُ أننا تقاتلنا فيما بيننا، ولنا قِبْلةٌ واحدة، وكتابٌ واحد، ورسولٌ واحد، رسولُ الله محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وحَالُنا بُغْضٌ، ولُؤمٌ، وفُحْشٌ، وسَبٌّ، وقَذْفٌ، وطَعْنٌ، وسَفْكٌ للدِّماء، بل أصبحت هناك قنواتٌ فضائية تُحرِّض، وتبُث السُّموم، ولا أحَدَ يعترفُ بالآخر، والكلُّ يُذكي نارَ الفتنة والطائفية المقيتة.

ونحن بطبيعتنا أمَّةٌ عاطفيةٌ تتأثَّر بسرعة، وتنفعلُ بشدة، والعدو ذكيٌّ خبيثٌ لئيمٌ حقودٌ عنيدٌ، يستطيعُ ويَعْرفُ كيف يَصِلُ إلى خَلَجاتِنا وعَوَاطفنا، ويلعبُ بها كي نتقاتلَ ونتناحر.

والأمرُ ليس ناشئًا من هذا الزمان، بل هو قديمٌ جدًّا، والدليل: عندما كانت الأوس والخزرج في المدينة يتقاتلون بينهم لسنينَ طِوال، لماذا لم يتدخل الجيرانُ للإصلاح بينهم ووقف القتال، فالعدو قوي جدًّا، ولديه من المال والقوة والخُبث الكثير لتأجيج نار الصراع والفتنة والفُرْقة بين المسلمين.

وعندما قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، وقع القتال أيضًا، وكانت الشرارة من العدو أيضًا، والسؤال هنا: لماذا قاتلت قريشٌ الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من عشرين عامًا؟ هل كان هذا للأحقاد والثأر من قريش تجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

كلّا، ولكن العدو تغلغل في نفوس العرب في ذلك الزمان، وعرفوا كيف يسيطرون عليهم ويوجهون الأموال المصروفة لقتال المسلمين.

وهذه مسرحية قديمة، والمؤلف خبيث، إلى درجة أنه يُشعل الحروبَ بين الأهل والأحباب والصُّحبة، سُنّي وشيعي، كردي وعربي، فارسي وعربي، تركي وعربي، وهلم جرّا.

وكاتبُ المسرحية بدأ بالكتابة والتخطيط في أول أيام ظهور الإسلام، وقد عاش بيننا وكان واحدًا منَّا، ولكن فِكْره واعتقاده مُغايرٌ للإسلام، مُناهضٌ لهذا الدين الحنيف، فتغلغلوا في النفوس، ودرسوا أحوالَ القبائل من عرب وعَجَم، ودَرَسوا أمة الإسلام جغرافيًّا وتاريخيًّا، وبدأوا يُخططون بالدِّقة، والحِنْكَة، والحكمة، والخُبث، ونحن نِيامٌ عاطفيون.

بالله عليكم، كم قناة فضائية موجودة الآن تبثُّ السُّمومَ والسَّب والشَّتْم والقذف والتفريق، ولو جَمَعنا أموالَ هذه القنوات من البثِّ والموظفين والإنفاق، صدقوني نعجز أن نعُدَّ الأصفار!!

لا تظنّوا أن هذه الأفكار كانت في بُطون الكتب لعالمٍ متشدد، ويقومون بإظهارها الآن!

كلَّا .. ما يحدثُ هي أمورٌ سياسية بحتة لا تتعلَّقُ بالإسلام والمسلمين، وهو أمر دُبِّر وكُتِب وخُطِّط بليل.

إلى متى نبقى هكذا يقتُلُ بعضُنا بعضًا، إلى متى كلُّ الأطراف يقولون على القتلى شهداء، هنالك قتيلٌ وقتيل، قتيلٌ في سبيل الله، وقتيلٌ في سبيل الدنيا، ولا ثالثَ لهما، ما كان للدنيا فهو للدُّنيا، وما كان للآخرة فهو ظاهرٌ كالشَّمس السَّاطعة في رابعة النهار.

فكفى ضحكًا على الذُّقون، وكفى سرورًا عندما نسمعُ صَرَخات الأمهات، وهم يبكون على أعزِّ ما يملكون، ألا يكفي كلُّ هذا القتل، ألا تكفي كلُّ هذه الفُرْقة، وهذا حال الأمة في تناحر واقتتال، وقد قال تعالى: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)(آل عمران:110).

ختامًا.. ما يحدثُ قد كُتِب لتمزيقنا، من يُصدِّق فليُصدِّق، ومَنْ لا يُصدِّق فالتأريخُ سيذكر يومًا، والكِذْبةُ لابُدَّ أن تظهر يومًا .

الآن القلوبُ عليها أقفالٌ، والعيونُ عليها سَتَائر، والعقولُ عليها غَمَام، فَغَمَامُ ستائر الأقفال جعلت السُّيوف حَادَّةً لقَطْع الرؤوس.

الله الله بالمسلمين، والله إنكم محاسبون جميعًا..

اللهم اغفر لنا وارحمنا، واجعلنا نتمسَّك بسُنَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحب والتَّشيع الحق للرَّسول وآل بيته الأطهار، متمسكين باتباع الأثر والابتعاد عن الظالمين.

وهذه المسرحيةُ لإبادَتِنا، يريدون أن يقتلعوا جُذورنا، ولكن هيهات ..

صدقوني الأجيال القادمة ستلعنُ هذه الأجيال، وسيأتي الزمنُ الذي تُكشف فيه الحقيقة، والذَّراري تُحاسبُنا..

غُفرانك ربي .. اللهمَّ أصلح ذات البين، وألِّف بين قلوبنا، واجعلنا إخوانًا معتصمين بحبلك المتين..

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأطهار.

كتبه فضيلة السيد الشيخ محمد تحسين الحُسيني النقشبندي القادري (قدس الله سره)

———————————————————————————————————————