رحلة في عالم الحب والشوق والوجد والعشق
رِحْلَةٌ في عَالَم الحُب والشّوق والوَجْد والعِشْق
العِشْقُ لم يكُن مَحْسوساً بل مَعْنويٌ يَنْبَعُ من الكمال الموجود في أعماق الإنسان ، فالامتثالُ يُولّدُ القُرْب ، فيزداد العشق والشوق والإنجذاب ، فيصبح للسّائِرِ دَرَجٌ إلى عَالَم الأعْماق لإظهار الكمال المُؤثر حتى يَمْلأ الكون ، فالفَنَاءُ مَطلوبٌ في سبيل المَحْبوب ، وهذا الحُبُّ كحَبّة رَمْلٍ على أجنحة الرّياح تتطايرُ من أول الطريق إالى قَلْب الصحراء ، فما إن وصَلتْ إلاّ وَتَفَانَت بين الرّمال ، وهذا أول مَرَاتِبِ الفَنَاء ، فَمَن كانَ بَطَلاً حَاذِقاً لبيباً قَد امتلأ بالحُب استطاع أن يَلتقِطَها ، وبهذا يكونُ قد وَصَل إلى بداية مراتب البَقَاء
وللقلب ماء وللحُب جَذْوَة ، فماءُ المُحب على جَذْوة الحُب طريقُ غَلَيَان القلب ، فما أن وَصَل إلاّ وبدأت رحلةُ الشوق إلى لقاء المَحْبوب ، فمن الإدراك أن تَقِفَ مُلبيّا متأثراً بمــا حَوْلك ، فنارُ المُتأثر وَجْد ، والتنزيهُ والإثبات جِد ، فوجدُ المُجِدِ جذْبُ شوقٍ في حَضْرة المحبوب .
ومَنْ نقّا وانتقى واتّقَى فقد ارتقى ، وانكشَفَ لهُ عَالَمُ الإدراك ، فَتَخلّصَ من الظلمات والضلال ، وَبدَأت رحلةُ الخيال المُتصل والمُنفصل ، فما إن رأيتَ وكان في الذهن صورة فهو الخيال المُتصل كحبال السّحَرَة ، وما إن رأيتَ واختفى كان الخيال المُنفصل كَعَصَا موسى عليه السلام ، فقلبُ المُحب لا يتسعُ إلى المتناقضين ، واجتماع النقيضين مُحال .
فالواجبُ أن تُوضحَ طريقكَ أيها المُحِبُ ، فالوَلاَءُ إلى المَحْبوب والبَرَاء من الطاغوت ، فالحُبُ موجودٌ في كُل مكان في الذّرة إلى عالم الأكوان ، فالكون من جماده ونباته وحيوانه وما ورآء ذلك إلا ّ مذكر ومؤنث ومتجاذبٌ ومتنافر ، حاشا الواحد الأحد الفرد الصّمد وما يختصُّ بحَضْرة الرُّبوبة ، فبالحُب حياة ، وبالتنافر ممات ، فما انجذبَ الغلافُ الجوي للأرض إلاّ وكُنّا بقُدْرَتِهِ هُو ، وما أن تَنَافَرَت عن الكواكب إلا ّ وكانت يُبوسَاً عديمة الحياة ، وطريق الحب ذِكْرٌ وَفِكْرٌ واجتهاد ، فالمُجْتَمِعُ في تَفْريقِهِ جَمْعٌ ، وكانت الأمور العقليةُ بصورتيْها حسيّة ، كأنّكَ تَشْربُ من ماءٍ مَعين حُذَيْر مِنْ جَلْجَلَة العصافير .
◈◈◈◇◈◈◈
من كتابات فضيلة السيد الشيخ محمد تحسين الحُسيني النقشبندي القادري (قدس سره)
Views: 0