دائرة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
دَائِرَة
اليومَ كما نرى ونسمعُ ويظهرُ عَيَانًا دون حياء ولا خَوفٍ ولا وَجَل، من أناسٍ يحملون العداءَ لأبناء جِلْدتهم من المسلمين، ويوالون الأعداءَ موالاةَ الحبيب، موالاة الأخ، موالاة الولي الحميم، وهم ينظرون إلى هذا الحبيب الذي يحبهم أنه شوكٌ في جِلْدهم، يخلعونه عندما ينتهي الوَخْز.
لماذا لا نسمعُ القرآن، ولا نتخذه ناصحًا لنا ، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة: 51)
الله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه العزيز: (لا تتخذوا) ، وفي آية تحريم الخمر يقول : (فاجتنبوه)، والتعبير بـ (لا تتخذوا) أعلى درجة بَلاغية من التعبير بـ (فاجتنبوه)، لماذا أهلُ المنابر والوعظ والدعوة يتكلمون عن الخمر وعن أمور الذنوب ، ولا يتكلمون عن استهداف بيضة الدين والجوهر، وانهيار الأمة وسقوطها في أفخاخ الأعداء، عندما يقول تعالى: (لا تتخذوا) كأنهم صُمٌّ لا يسمعون، أليس البيع والشراء والتعامل مع العدو المحارب ذو الشوكة من اليهود والنصارى أولى بالحديث عنه والتنبيه إليه على المنابر؟؟
كان الأولى بأهل المنابر أن يبتعدوا ويَقْطعوا الرابطَ مع هؤلاء، كما ينصحون أنَّ الخمر رِجْسٌ من عَمَل الشيطان، وأن ينصحوا القائمين على الأمر بترك موالاة الأعداء والجريان ورائهم.
لماذا لا نتعظ ونرى تحالفات اليهود والنصارى من أهل الحرب، هي تحالفاتٌ أبدية كالجسد الواحد، ونحن أمّة الإسلام قد انقسمنا إلى طوائفَ ومذاهبَ وقوميات وفِرَق ، والقتالُ دائرٌ بيننا .
يا من توالون الأعداء .. ماذا ستقولون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
إن القرآن قد بَيّن أنَّ الذين يَرْكنون إلى اليهود والنصارى ويوالونهم فهُم من أهل الأمراض البَاطنية القَلْبية المعنوية وعلى رأس هذه الأمراض (النفاق) ، ومن مُرتكزات النِّفاق الخوفُ على المال والجاه والمنصب.
يقول تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة:52).
يقولون نخشى أن تُصيبنا دائرة، فالقرآنُ مَثّلَ أهلَ النفاق أنَّ في قلوبهم مَرضًا ، وهذا المرضُ يُولّد لديهم خَوْفًا (والدَّائرة) بمفهومها ومحيطها ما يُملك من أمور الدنيا وشهواتها ، يخشون أن تدور عليهم الدائرة فيذهب الجاه والمنصب والمال، ولا يعلم أولئك أنهُ الذل والعار، فما هي إلا أيام معدودات، والكُلُّ مُرتحِلٌ عن الدنيا إلى مَغَبٍّ في مَصَبٍّ في لحدٍ وظُلمة في ظُلمة. وهؤلاء يقولون نتمتّع حتى يأتي الفَتْحُ، كالذين سَبَقوهم من المنافقين ينتظرون فَتْحَ مكة، يومَ لا ينفعُ النَّدَم، وسيفضحُهُم التاريخُ في الدُّنيا ، ويوم العرض وجوهُهم مُسودة، وصحائفهم سُود ، في الدنيا ألا لعنةُ الله على الظالمين، وفي الآخرة سلاسلُ، وسَقَر، ويا ليتني كُنتُ تُرابًا .
اللهمَّ غُفرانك ، اللهم ارحمنا ، اللهم اجمع شَمْلَ الأمّة، اللهم انزع فتيلَ الخِلاف، واهدِ الكُبراءَ لقَولِ الحق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار.
◈◈◈◇◈◈◈
من كتابات فضيلة السيد الشيخ محمد تحسين الحُسيني النقشبندي القادري رضي الله عنه وأرضاه
Views: 0