Erbil, Kurdistan
0751 175 8937

أقول للتاريخ

Nureddin Ziyad Dalawi

أقول للتاريخ


(أقول للتاريخ)
 

الحمدُ لله الذي أنار القُلوبَ والعُقول بنور الإسلام والسَّلام، وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا ومولانا وحبيبنا وشَفِيعنَا رسول الله محمد السِّراج الوهَّاج، وعلى آله منارات الهدى، وأصحابه للهدى.

للتاريخ نكتُب ونُبيِّن حقيقةَ مَدَارس التَّصوف ما لها وما عليها، وكيف يجب أن تكون، وخصوصًا المدرسة النقشبندية النقشدارية، وفي العموم، والعمومُ أفضل للأمة، فنحن لا نُفرِّق بين الطَّرائق من تصوف وعِرْفان ما بين المذاهب الثمانية من سُنَّة وشيعة، فيجوز التعبد بالكل، و(الفقه اجتهادٌ بشري يتبلور ويتطور، ويظهر بالسياسة، والاعتقادُ خلاف لفظي) فتتشكل الأفكار من هذا الطرف أو من ذاك، ومن هنا نَشَأ الاختلافُ وتطور، والمستفيدُ الوحيد هم أعداء الإسلام من الملة المحمدية، فأعداء الإسلام كُثُر، وقد فرَّقونا ما بين مدارس ومدارس ظاهرة ودوارس، حتى جَعَلوا منّا كالحبّات الصغيرة المنثورة على الحصى في جُرْفِ وادٍ وعر، فكيف لنا أن نُخرج هذه الحبّات من بين الصخور على تلك الصورة ونجمعها من جديد، فظهرت واستظهرت واستحكمت الاختلافات، وكل يوم تزداد، ويزداد الفراغ، وتتسع الهُــوّة، مع أن التصوف واحد، سواء أكان للسنة أم للشيعة.

ونحن في المدرسة المحمدية النقشبندية النقشدارية نقبل كلَّ المذاهب، وللتاريخ أقول: إن شيخي الشيخ عبد الكريم بياره المدرس كان عنده الكثير من علماء الشيعة من الأصحاب والأصدقاء، وعندما توفي ابنُ الشيخ عبد الكريم حَضَر في العزاء سيدان جليلان من الأشراف من علماء الشيعة، وتم استقبالهم بترحيب وحفاوة، ووقع ذلك كثيرًا في مجالس الشيخ، فقد كان محبوبًا عند الجميع رحمة الله تعالى عليه.

وقد قام الشيخ عبد الكريم بياره بشرح كتاب الشيخ بهاء الدين العاملي المتوفى (1030هـ)، وسمّاه (البركات الأحدية في شرح الصمدية)، والشيخ عبد الكريم بياره من أركان المدرسة النقشبندية، وما كان يُفرِّق بين السنة والشيعة، لكن له بعض الآراء في بعض المسائل، لا تتفق مع الطرف الآخر.

 

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فأكثر مدارس التصوف قد دخلت في السياسة، وكانت لبعضها أجنحة مسلحة، سواء في العراق أو تركيا أو إيران أو أفغانستان أو باكستان أو الهند وغيرها من الدول، فانشغلوا بالسياسة وجمع التبرعات وأخذ المعونات من السلطة، وهذا كله يُنافي منهج التصوف الحقيقي.

فمثلا: في زمن حزب البعث كان لأهل التَّكايا أفواجٌ مسلحةٌ يسمونهم (الفرسان)، وكان المقابل يسمونهم (الجاش)، وهذه الأفواج إما لشيوخ عشائر كردية، أو لشيوخ طريقة في التصوف، وهكذا الحال منذ زمن الدولة العثمانية، ودولة الشاه.

وباسم المدرسة المحمدية النقشبندية النقشدارية وباسمي محمد تحسين نرفض التدخل في السياسة، ونرفض المجاميع المسلحة، وأقول: إن التصوف يبحث عن الإنسان الكامل أي: الإنسان الذي يتحرك ضمن قوانين أخلاقية ثابتة لا تتغير لأنها كالعرف المنتشر العام، ليس مرتبطًا ببقعة ما أو بدولة معينة، ولكن أهل الأرض جميعًا يجمعون على الأخلاق والإنسانية، ورعاية الوجدان والضمير، وأعظم مثال في ذلك هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال الله تعالى في حقه: (وإنَّكَ لعَلَى خُلُقٍ عَظِيم) (القلم:4).

ومن هذا المنطلق فإن على الشَّيخ المرشد المتصوف العارف أن يُعلِّم الناسَ إحياءَ الوِجْدَان، ومراقبة الضمير الحي، ورعاية المعاني الإنسانية العظيمة، وهي غاية الإسلام.

وأمَّا حملُ السلاح ما بين المسلمين فمرفوض لا يجوز (كلُّ المسلم على المسلم حَرَامٌ دَمُهُ ومَالُه وعِرْضُه)، والحروبُ بين دول المسلمين حرام، والحروب بين المذاهب الإسلامية حرام، والجهاد الحقيقي لا يكون إلا تجاه عدو مقاتل ظاهر يتربَّص بالإسلام وأهله، ويُظهر ذلك، وما عداه فلا يجوز الاعتداء، وكلُّ من يهدر حُرْمةَ الدَّم المسلم دون حق، أي دون محاكمة عادلة بالقانون، فقد ارتكب إثمًا عظيمًا وباء بغَضَبٍ من الله، وليس هو من المؤمنين.

وأكرر: نرفض باسم المدرسة المحمدية النقشبندية النقشدارية جميع أنواع التسلح والاقتتال والنزاعات والخلافات المذهبية، ونرى أن الكلَّ على صَوَاب، وإنما هو اختلاف في العبارات، والكلُّ يتجه إلى مقصود واحد وهو الإله الحق سبحانه وتعالى، فعلينا أن نجلس مع بعضنا البعض، وأن نتحد ولا يُكفِّر بعضُنا بعضًا، بل نُقنِع بَعْضَنا البعض، ونتناقش بالحجة والدليل والبرهان، وكلُّ ما نراه اليوم هو فتنة خبيثة، والخاسر فيها الأمةُ المحمدية.

وأقول للتاريخ: كل مشايخي وأساتذتي عندما كنتُ أسألهم عن دخولهم في أمر سياسي يقولون: فعلناه من أجل الفقراء لإطعام أفواه جائعة، وقد صاحبتُ أساتذتي من مدارس مختلفة منذ الصغر حتى بدأتُ بالترحال ما يُقارِبُ أربعين سنة درسًا وسماعًا وأدبًا وأخلاقًا وانتماءً، وأقول للتاريخ: عندما توفي شيخي الشيخ عثمان سراج الدين رحمه الله تعالى، ما أوصى بالخلافة لأحدٍ من بعده، بل قال: شيخُ الطريقة هو يَظْهَر، وهناك كتابٌ كتبه الشيخ عبد الكريم بياره المدرس (رحمه الله)، فيما يختص بتركة الشيخ والتكايا والمدرسة النقشبندية، وكيفية الإدارة، وكل من يدعي ويقول إني خليفة الشيخ عثمان سراج الدين فإنه ليس بصادق، وعليه أن يرجع إلى صوابه ويتقي الله، لأنه قد ضَلَّ، ويُريدُ إضلالَ النَّاس.

وعندما كنتُ شابًّا في أوائل الثمانينات قال لي شيخي الشيخ عثمان سراج الدين: يا تحسين أعطِ الطريقة لعشرة أشخاص واجلس للذكر، ولم  يُعطني الخلافة، ولا قال لي: أنت خليفتي، وما سمعتُهُ قالها لأحدٍ قط، وهذا إن دل على شيء فيدل على زُهد الشَّيخ في الدنيا، وأنه ما كان يريد منها شيئًا؛ لأنه لو كان مُتعلقًا بالدنيا لكان يبحث عن الولد، وتوريثه في الطريقة، وهو الشيخُ الوحيد الذي لم يُورِّث الطريقة لأبنائه وأحفاده وخصوصًا في هذه المائة سنة الأخيرة، ومثله الشيخ عبد الجبار الراوي عليه رحمة الله، لم يوصوا بالخلافة لا للأبناء ولا للتلاميذ، وكانوا يقولون الشيخ هو يظهر، وكلُّ شيخٍ متصوف يدخل في السياسة فليس شيخًا للتصوف، فالصوفي مرشدٌ أخلاقي ينصح أهلَ السياسة ولا يعمل بها؛ لأنه لا يمكن الجمع بين النقيضين، فالسياسةُ أخْذٌ وعَطَاء وإخفاقٌ وخَفَاء ودَهَاء مع الخصم، أما التصوف فمنبع أخلاقي، وصاحب الطريقة ليس له سر يخفيه عن الناس، ما في صدره على لسانه، ومن لم يكن له سر يخاف عليه من أمور الدنيا؛ فإنه يكون صاحب السر في عالم الحقيقة، فالباحث عن الحقيقة لسانه وقلبه سواء، لأن صاحب القلب السليم لا ينطق إلا نطقًا سليمًا، وكلُّ المدعين في التصوف في زماننا يحاولون تغيير أثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأقول لهم: إياكم والبدع، فإن كلَّ بدعة ضلالة، ولا بد من أمرين مهمين في الطريقة النقشبندية وهما: اتباع الأثر الشريف، والابتعاد عن الظالمين.

 

 
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار
 
كتبه فضيلة السيد الشيخ محمد تحسين الحُسيني النقشبندي القادري (قدس الله سره)