Erbil, Kurdistan
0751 175 8937

طاعة محب وطاعة عادة

Nureddin Ziyad Dalawi

طاعة محب وطاعة عادة


طاعة محب وطاعة عادة

الطاعة لم تكن إجبارًا، إما هو فرض للمطيع، أو واجب للمحب، أو فوق الفرض والواجب للعاشق، فمن أراد الدرجات أطاع والتزم، ومن أراد الدَّرَكَ عصا ولا التزم، واليوم نتكلم عن الصوم، وآيةُ الصوم آيةٌ واضحة وضوح الضرورات، كما تقول لشخص يقف أمام شجرة: أين الشجرة؟ سؤالٌ بسيط ليس فيه تركيبٌ أو تعقيد، والجواب سهل بسيط للصغير قبل الكبير .
وآية الصوم: ( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة:184) مقسمة بين المسافر، ويدخل تحت المسافر من كان لديه عمل شاق، والمريض بكل أنواعه: السهل، والمزمن، والمنفك، والذي يلتصق بالمريض كظِلّه، وأما كلمة (والذين يطيقونه) يعني من الطاقة والاستطاعة؛ فأما الأول والثاني فيستطيع إبدال الأيام بأيام أخرى، وأما الذي يستطيع ولا يريد الصوم فهنا يجب أن نلتفت التفاتة في قوله تعالى: (فدية طعام مسكين)، فالمسكين الذي يستطيع أن يصوم ولا يريد أن يصوم، فيفدي يومه بيوم وهنا الدرجات، وفوق المسكين يتضاعف اليوم بيومين أو اليوم بأربعة وهكذا حتى يصل اليوم بمليون يوم، أي بمليون مسكين، ومن الممكن أن يزيد، وصاحب المال والصنعة والحرفة والتجارة ليس يومه بيوم ولا يفسر (يطيقونه) بأنه لا يطيقونه؛ لأن الله تعالى ذكر المسافر والمريض؛ فالذي لا يستطيع الصوم يدخل تحت المرض، والله تعالى لا يكرر وليس في القرآن تكرار ولا زيادة، فالواضح واضح وعلى المتفكر أن يتمعن ويدقق، فلا يجوز على الذين يقرؤون القرآن أن يأتوا بحديث ويلغون حُكمًا قرآنيًّا ، والصيام لنا نحن وليس لله ، فالله لا يحتاج لصومنا: (وأن تصوموا خير لكم) ومن يريد أن يعرف هذا الخير فليتمعن في أمور علم الطب، كيف أن الخلايا الضارة الموجودة في الجسم تتضاءل وتختفي بالصوم، والبكتريا الضارة التي تتنفس ثاني أوكسيد الكاربون تقل، والبكتريا النافعة التي تتنفس الاوكسجين تزداد في الجسم، فالدقة في الصوم هو بناء جسم الإنسان كي يحافظ على هذا الكيان قدر المستطاع، وكل أجهزة الدنيا تحتاج إلى صيانة، والإنسان لديه أجهزة، وهذه الأجهزة تحتاج إلى صيانة والصيام صيانة لهذه الأجهزة، فصوموا تفلحوا، ولكنه ليس إجبارًا ، ولكن بفدية، وهذه الفدية من مسكين واحد إلى ملايين المساكين باليوم الواحد، فمن لا يريد أن يصوم فلا يصوم، ولكن ليدفع على حسب قدرته المالية، ليس اليوم بيوم، ولكن اليوم بألف أو بمليون يوم، وفي الآية (فمن تطوع) وهذا التطوع يدخل تحت الرضا، وكل شيء بالإشاءة، فمن يقتل يقتل بإرادته، ولكن بإشاءة الله وليس برضاه، ومن لا يصوم لا يصوم برضاه وعليه فدية، وبالإشاءة أيضًا وليس بالرضا، فالله تعالى لا يرضى، والتشابه بين الأمرين صعب التدقيق إلا للذي يريد التحقق بعمق.
ومن أراد أن يحيا صحيحًا سعيدًا فعليه بالصيام؛ لأن عدم الصيام معناه خسران النظر، والزهايمر، والنسيان النسبي، والقولون العصبي، والبواسير، والبروستات، وسرطان الثدي، وسرطان المثانة، وسرطان القولون، وضعف القلب، وتصلب الشرايين، وعجز الكلى، ونمو البكتريا الضارة في الجسم، وقلة البكتريا النافعة، كأن الله يبين لنا أن من يريد أن يعيش سعيدًا في الحياة ومن أراد أن يعيش شقيًّا عليلًا في الحياة، والعبادات لها علة ظاهرة وعلة خفية، لأن قانون الكون هو القانون السببي، بدأ من الرتق الأول وسينتهي بطي السماء كطي السجل للكتب (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(الأنبياء:104)، كالذي يرمي كرة في البئر يصورها ثم ينظر إلى التصوير بالعكس، كالذي يكسر زجاجة وينظر إلى كسر الزجاجة بالعكس، انفجار وجذب، ثغور سوداء وثغور بيضاء.
ودليل عدم الإجبار: (وأن تصوموا خير لكم) وقوله تعالى: (فمن تطوع خيرا فهو خير له)، وهذا يكون للمستطيع، وأمَّا الذي لا يستطيع فيكون في حكم المسافر والمريض.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار

كتبه فضيلة السيد الشيخ محمد تحسين الحُسيني النقشبندي القادري (قدس الله سره)

_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_