Erbil, Kurdistan
0751 175 8937

 العباداتُ أساسٌ لبناء الإنسان

Nureddin Ziyad Dalawi

 العباداتُ أساسٌ لبناء الإنسان


الكلُّ يبحثُ، ولكن طريقة البحث ونوع البحث مختلف، وهذا الاختلافُ قد شَكَّل في إطار الشجرة الإنسانية فروعًا كثيرة، ولكن وبكل بساطة أقول: يجب ألا نخلط المفاهيم، ولا نبرر لأنفسنا أطماعنا الشخصية.

مثلا: شخصٌ ينتمي إلى حزبٍ ما، وهذا الانتماءُ هو نابعٌ من فكرةٍ لتحقيق أطماعه الشخصية، أو ينتمي إلى مؤسسة دينية، أو يساندُ بكل عصبية مذهبًا ما، وهذه العصبية وهذا الانتماء هو دافعٌ داخلي لتحقيق أطماع النفس بالمفهوم الحقيقي (هوى النفس)، ولهذا نرى في مجتمعاتنا الإسلامَ غير مُطبَّقٍ بجوهره الحقيقي، فلا وجود لقيم التسامح، الحب، الإنسانية، احترام الموعد، الصدق، الوفاء بالعهود، التفاهم، الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، بُغض العصبية، (اتركوها فإنها منتنة)، مساعدة الناس، إطعام الفقراء، إيواء اليتامى، الضمان الصحي، التعليم المجاني، توفير المسكن والعمل ، المساواة، العدالة، الاعتدال، عدم الاعتلال بالمنفعة الشخصية،كلُّ هذه القيم وغيرها غير مطبقة في مجتمعاتنا الإسلامية. 

 والجوهر الحقيقي لهذا الدين هو الحب، قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)( فصلت:34).

بداية الآية (ادفع بالتي هي أحسن)، كيف تدفع بالتي هي أحسن ؟

يعني الذي يقول لك عشرًا ، لا تقول له واحدة، بل ترد الإساءة بالإحسان، وأمَّا إذا استحكمت العصبيةُ القبلية، فالذي يقول لك واحدة، تقولُ له عشرًا، فأين تطبيق (ادفع بالتي هي أحسن).

وكمثال بسيط: وأنت تركب الميكروباص في مصر، أو التاكسي في بغداد، من الممكن أن يتعطل السَّير، ويحدث اقتتالٌ وسبٌّ وشَتْمٌ وكُفْرٌ بالله تعالى، والعياذ بالله، كلُّ ذلك من أجل مبلغ تافه جدًّا، وهذا الأمر يتكرر كثيرًا، وليس من النوادر في مجتمعاتنا.

فنحن لا نهتم بالحسنة، بل نهتم بالمظهر العام الحسن؛ لأن الحسنة مسألة جوهرية، والمظهر العام الحسن هو تمثيل، وهذا التمثيل يجلبُ السيئات، فالمجتمعات التي لا تهتم بالحسنة يعم فيها الجهل والصراعات، ومن هنا ومن هذه النقطة أصبح الدين في خدمة السياسة، أو أصبحت الظاهرة الدينية جوهرها السياسة، وأقصدُ بالسياسة الوصول إلى الأهداف الدنيوية من المناصب، والشهرة، والسيطرة، والقوة والجاه، والوجاهة والكلمة النافذة، والقدرة، والبطش والعفو.

والدين هو الرأفة والرحمة والحب والنفع والإيثار والتضحية، وقبول الآخر والتعايش، والمسامحة والرضا، وكل هذه الأمور في طريق العشق.

أسأل سؤالا بكل بساطة: لماذا المهاجرون من البلدان الإسلامية يتجهون إلى البلاد البعيدة التي لا تعترف بالإسلام، ولماذا لا يتجهون إلى البلاد الإسلامية الغنية؟

 ولماذا الدول الإسلامية الغنية لا تأوي هؤلاء المهاجرين؟ ولماذا في بلداننا الفكر محارب؟ مجرد من يحمل فكرة معارضة لفكر الآخر تحدث حربٌ و كارثة وزلزال، أمَّا البلاد الغربية الأوروبية فلها القابلية على أن تستوعب وتتعايش مع جميع الطوائف والفرق.

بالله عليكم أليس الأجدر بأهل القرآن والسنة النبوية تطبيق هذا التفاهم والتعايش وقبول الآخر في مجتمعاتنا، ولكن قد ابتعدنا عن جوهر الدين، ، أليس قرآننا الكريم يقول (لا إكراه في الدين)، ويقول (ادفع بالتي هي أحسن)، فلنطبق هاتين الآيتين الكريمتين كي نرقى بالمجتمع الإسلامي ظاهرًا وجوهرًا، فنحن الآن نهتم بالمظاهر فقط، وقد تركنا الجوهر.

أتمنى أن نُصلي، وفي المقابل لدينا ضمانٌ اجتماعي.

 وأن نبني المساجد والكنائس، وفي المقابل نبني مدارسَ من الدرجة الأولى لتعليم الأطفال.

 وأن نحفظ القرآن والسنة، وفي المقابل نحافظ على العهود والوعود.

 وأن نصوم، وفي المقابل لا نكذب.

 وأن نحج، وفي المقابل لا نرى فقيرًا يتضور جوعًا في مجتمعاتنا.

 وأن نعمل موائد الرحمن، وفي المقابل نُعلم الناس العمل، لا نُطعمُ السمك جاهزًا، بل نعلم كيف يُصطادُ السمك.

إذن: نحن بحاجة إلى البحث عن الذات، أي ذات؟

ذاتُ الإنسان الكامل بل النصف كامل، بل الربع كامل، بل الثمن كامل.

ولو استطعنا أن نكون بالمفهوم القرآني (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4)، أي: أن نكون خلفاء لله على أرضه بالمفهوم القرآني جوهرًا وليس ظاهرًا.

ولقد خلق اللهُ البشر وبعث الأنبياء وأنزل الكتب لتطوير البشر، وتحويل البشر إلى إنسان.

ولنرجع إلى سورة (فصلت) قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33).

في هذه الآية ذكر تعالى القولَ الحسن، والعمل الصالح، فهذه علامة المسلم قولٌ حسن وعملٌ صالح، فالمسلم هو الإنسان الكامل، ومن علاماته: القولُ الحَسَن والعمل الصالح، والقول الحسن يعني (ادفع بالتي هي أحسن)، والعملُ الصالح أي: أن يكون بينك وبين عدوك الحب، وليس البغض.

وانظر إلى قوله تعالى: (وَمَا يُلَقَّىٰهَا إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:35).

والمعنى: أن تطبيق المفاهيم الإيمانية السابقة للوصول إلى الإنسان الكامل مفتاحه الصبر، وصاحب الصبر هو صاحب الحظ العظيم، ومن كان ذو حظ عظيم، فهو يكسب الدنيا والآخرة.

فأين نحن من هذه المفاهيم؟؟

اللهم أصلح نفوسنا اللهم زكِّنا (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164).

اللهم ثبِّت قلوبنا على هذا الدين، يا أرحم الراحمين، اللهم إن الأبواب قد غُلِّقَت إلا بابك مفتوحٌ للسائل والمحروم ..

غُفرانك ما أعظمَ شأنك.. اغفر لنا وارحمنا ياالله ..

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار

كتبه فضيلة السيد الشيخ محمد تحسين الحُسيني النقشبندي القادري (قدس الله سره)

_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_